22

-

الشركات المدنية المهنية للمحاماة في القانون المغربي والمقارن

المشرع المغربي لم يعرف الشركة المدنية المهنية للمحاماة
شهد العالم، خلال العقود السالفة، عدة تحولات على مستوى المبادلات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية والخدماتية بسبب العولمة وتدويل الخدمات، حيث تركزت جهود تحرير التجارة العالمية منذ الجولة الأولى من اتفاقية الكات «G.A.T.T» سنة 1947 وحتى بدء الجولة التاسعة عام 1986 بالأوروغواي، على إزالة الحواجز بين الدول الأعضاء أمام تبادل السلع .  لكن وبالنظر إلى تزايد معدلات تصدير الخدمات في الدول المتقدمة، اكتسى هذا القطاع أهمية بالغة، وثم التفكير في تحرير حركة تبادل الخدمات، وهو ما توج بالاتفاق العام للتجارة في الخدمات«G.A.T.S» والذي يعتبر المغرب من الدول الموقعة عليه . أثرت هذه التحولات الجوهرية على المجال القانوني، حيث أفرزت العولمة بزوغ أشكال جديدة للعمل القانوني وللخدمات القانونية، ألقت بظلالها على مهنة المحاماة، التي وجدت نفسها مطالبة بمواكبة هذه التحولات ونزع عباءة الشكل التقليدي الذي لبسته منذ عقود . فالمحاماة أصبحت تتعاطى ميادين شتى لا تنحصر في ملفات القضايا وإجراءات التقاضي فقط، وإنما تتجاوزها إلى ما يعبر عنه بخدمات المساعدة والمساندة، وهي تتمثل في إعداد الوثائق وفي التفاوض وفي الوساطة والصلح والتحكيم وإبرام الصفقات بأنواعها والتدقيق والاستشارة . كما أن الممارسين لمهنة المحاماة وجدوا أنفسهم في مواجهة سيل جارف من التشريعات المنظمة والمؤطرة لأنظمة التحكيم والوساطة والتوفيق، وللمنازعات الاقتصادية والتجارية الوطنية والدولية، والمنظمة لأسواق رأس المال، ومجال عمل الشركات ... حيث تشابكت القوانين وتداخل فيها البعد الوطني بالمصادر الدولية ممثلة في الاتفاقيات الدولية وما أقرته من قواعد عامة وإجراءات تحدد وتحصر الالتزامات الفردية للدول، بشأن دخول الأجانب إلى أسواقها المحلية . وهو ما كرس القناعة بضرورة تأسيس شركات للمحاماة، حيث فطن الفقه أولا والقانون بعد ذلك، بإيعاز من الفقه، إلى ضرورة خلق إطار قادر على أن تظل المهنة الحرة بموجبه محافظة على خصوصيتها، لكن في ذات الوقت مسايرة للتطور الذي أفرزته العولمة على جميع المستويات. وقد كان ظهور أولى شركات المحاماة في الولايات المتحدة الأمريكية بداية القرن الماضي، قبل أن تنتقل عدوى التأسيس إلى القارة الأوربية . ففي فرنسا مثلا صدر قانون بتاريخ 29/11/1966 نظم الإطار العام للممارسة في إطار الشركات المدنية المهنية بشكل عام، ثم صدر بعد ذلك مرسوم بتاريخ 20/7/1992 نظم ممارسة مهنة المحاماة في إطار شركة مدنية مهنية . أما في المغرب فلم يسمح القانون بممارسة مهنة المحاماة في إطار الشركة المدنية المهنية إلا بمقتضى المادة 26 من ظهير 20 أكتوبر2008 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، كما صدر في التاريخ نفسه القانون رقم 08 . 29 المتعلق بتحديد الإطار القانوني للشركات المدنية المهنية للمحاماة . ولم يعرف المشرع المغربي الشركة المدنية المهنية للمحاماة شأنه في ذلك شأن العديد من القوانين المقارنة التي أتيحت لنا فرصة الاطلاع عليها كالقانون الفرنسي والتونسي والمصري والسوري والسعودي ... بينما انبرى الفقه إلى الاجتهاد في وضع تعريف لها، حيث عرفها البعض بأنها « شخص معنوي، ينشأ بالاتفاق بين عدد من المحامين بغرض ممارسة المحاماة ممارسة جماعية بصورة مشتركة واقتسام ما يتحصل عن ذلك من أرباح». كما عرفها البعض الآخر بأنها : «عقد مدني يلتزم بمقتضاه محاميان أو أكثر ينتمون إلى فرع واحد لنقابة المحامين، بأن يساهم كل منهم في مشروع مهني للمحاماة، لممارسة أعمال المحاماة طبقا لأحكام تنظيم مهنة المحاماة والنظام الداخلي لنقابة المحامين، والقيام بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح ناتج عن أتعاب المحاماة أو من خسارة «. وتختلف شركة المحاماة المدنية عن الشركة المدنية العادية في أن لشركة المحاماة وحدها باعتبارها شخصا معنويا الحق في ممارسة مهنة المحاماة، وتخضع في سبيل ذلك لنظام يفوق في صرامته وغلظته ما تخضع له الشركات المدنية العادية. كما تختلف شركة المحاماة المدنية عن الشركة التجارية في أن الأولى تزاول عملا مدنيا، بينما تزاول الثانية عملا تجاريا من قبيل الأعمال التي عددتها المادتان 6 و7 من مدونة التجارة . المبحث الأول : تأسيس الشركة المدنية المهنية للمحاماة  سنتناول في هذا المبحث إنشاء الشركة ونظامها الأساسي ورأسمالها وإجراءات شهرها استنادا لما تضمنه قانون الشركات المدنية المهنية للمحاماة، واستئناسا بالمقتضيات المستمدة من بعض القوانين المقارنة .
 الفرع الأول: إنشاء الشركة
تؤسس الشركة من قبل شركاء محامين مسجلين في جدول الهيأة نفسها، وهو ما يعني أن الشركة المدنية المهنية تتكون من محامين رسميين منتمين إلى هيأة واحدة، ولا يمكنها بالتالي أن تضم محامين منتمين لهيآت مختلفة، ولا يمكنها أن تضم محامين متمرنين كما سمح بذلك القانون الفرنسي في الفصل 2 من المرسوم الصادر بتاريخ 20/7/1992، ولا يجوز للمحامين الشركاء أن يمثلوا أطرافا لها مصالح متعارضة، كما لا يمكنهم ممارسة مهامهم إلا في إطار الشركة نفسها وفي مكتب واحد .
ولا تكتسب الشركة الشخصية المعنوية، ولا يحق لها بالتالي ممارسة المهنة إلا من يوم تسجيلها في جدول الهيأة التي يوجد بدائرتها مقرها (المادة 3 ).
ويقدم طلب التسجيل بالهيأة موقعا من قبل كل الشركاء وجوبا إلى نقيب الهيأة، مرفقا بنسخة من العقد التأسيسي ومن النظام الأساسي للشركة (المادة 4 )، وذلك خلافا لما تضمنته بعض القوانين المقارنة من إمكانية رفع الطلب إلى مجلس الهيئة من قبل ممثل يعينه الشركاء من بينهم، كما أن القانون المغربي لم يشر إلى إمكانية بعث طلب التسجيل بواسطة البريد المضمون مع الإشعار بالاستلام كما سمح بذلك القانون الفرنسي .
ويحيل النقيب الطلب إلى مجلس الهيأة للبت فيه داخل أجل شهرين تحتسب من تاريخ توصل النقيب به ، تحت طائلة اعتبار الطلب مقبولا في حالة عدم البث فيه ( المادة 5 ) ، والحقيقة أن المشرع المغربي في هذه الحالة خالف القاعدة العامة التي سبق أن أقرها قانون المهنة بمقتضى المادة 11 عندما اعتبر عدم بت المجلس في طلب الترشيح للتقيد في لائحة المحامين المتمرنين داخل الأجل المحدد له في أربعة أشهر بمثابة رفض وليس قبولا كما هو الحال بالنسبة إلى طلب تسجيل الشركة .
والملاحظ أن هذا الأجل الذي أقره المشرع المغربي طويل نسبيا مقارنة مع ما تضمنته بعض التشريعات المقارنة التي حددته في شهر واحد كالقانون الفرنسي.
ولا يمكن لمجلس الهيأة رفض الطلب إلا في حال مخالفة النظام الأساسي للمقتضيات القانونية أو التنظيمية، وتبلغ نسخة من المقرر إلى الوكيل العام للملك وللشركاء، ويكون هذا المقرر قابل للطعن وفق القواعد المنصوص عليها في المادة 94 من قانون المهنة .
كما تجدر الإشارة إلى أن المسطرة نفسها المومأ إليها أعلاه تطبق في حال تأسيس الشركة عن طريق الاندماج أو الانفصال ( المادة 7 ) ، أما في حالة تعديل النظام الأساسي، فيتعين الحصول على موافقة المجلس وفق ما تم بيانه أعلاه (المادة 9).
الفرع الثاني : النظام الأساسي للشركة
تنشأ الشركة بمقتضى نظام أساسي مكتوب في نسخ أصلية كافية، حيث تسلم نسخة منه لكل واحد من الشركاء ، كما تودع نسخة في مقر الشركة ( المادة 10 ).
وقد نص القانون على وجوب تضمين النظام الأساسي لعدة بيانات من قبل الاسم الشخصي والعائلي وموطن كل شريك، وتسمية الشركة، وعنوان مقرها، ومدتها عند الاقتضاء، وطبيعة وقيمة حصة كل شريك، ومبلغ رأس المال، وعدد الأنصبة الممثلة لرأس المال، وقيمة كل واحد منها وكيفية توزيعها بين الشركاء، وصلاحيات المسيرين، ومدة مهامهم، وشروط تعيينهم وعزلهم، والإشهاد على التحرير الكلي للحصص المكونة لرأس المال .
 بقلم:  ذ. خالـد المـرونـي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق